2011/11/22

في ندوة قاهرية ناقشت روايتي أشرف أبو اليزيد:(حديقة خلفية) لوحة تشكيلية تكشف أبعاد الشخصية المصرية في الأوقات العصيبة


في ندوة قاهرية ناقشت روايتي أشرف أبو اليزيد:
فتحي العشري: (حديقة خلفية) لوحة تشكيلية تكشف أبعاد الشخصية المصرية في الأوقات العصيبة
محمود قاسم:تفاصيل (31) تجسد عبقرية النص، وهي امتداد لرواية العبث الأوربية
ناقش الناقدان فتحي العشري ومحمود قاسم روايتي (حديقة خلفية) و(31) للكاتب أشرف أبو اليزيد، وهما الروايتان اللتان صدرتا مؤخرًا عن مكتبة المشارق للنشر والتوزيع في القاهرة. الندوة التي استضافتها دار أملي للنشر بالقاهرة، قدم لها مديرها رسام الكاريكاتور د.عاطف عدلي، وشهدها نخبة من الكتاب والنقاد والتشكيليين والإعلاميين والناشرين.
في البداية أعرب الناقد فتحي العشري عن إعجابه برواية (حديقة خلفية)، التي دُعي لقراءتها، وهو ما دفعه للقدوم خصيصا من الإسكندرية لمناقشتها، رغم عزوفه عن حضور الندوات الثقافية، واكتفائه بالنشر النقدي في الأدب والسينما والسياسة.
وقال العشري إن (حديقة خلفية) تمثل الأدب الجديد، والرواية الحديثة، وقد كتبت بأسلوب سلس، ولغة بسيطة، رغم ما في موضوعها من تشابكات، الذي يقترب من التحليل النفسي أكثر من سرد الوقائع، فضلا عن أن (حديقة خلفية) تكاد تكون لوحة تشكيلية، فكل سطر، وكل فقرة، وكل صفحة، وكل جزء بمثابة ريشة تكمل اللوحة الأكبر، حتى تكتمل في النهاية، رغم ما وصلت إليه من مأساة، تعبر عن دفائن الشخصية المصرية، وتكشف أبعاد تلك الشخصية في الأوقات العصيبة، رغم ما كانت عليه في اعتقادنا مثالا للطيبة والشهامة، وكل الصفات الجميلة، ولكن تظهر من حين لآخر وخاصة ما ظهر بعد ثور 25 يناير، رغم ما يجب أن يدفعنا للالتفاف حول هذه الثورة المجيدة وأن نتغير إيجابيا، لنجدد جلدنا وأفكارنا ومفاهيمنا، كي نصنع بلدًا جديدًا، ويولد شعب جديد، وهو ما لم يحدث بسبب أياد خفية، على حد قول الناقد الكبير، الذي أكد على أنه لم يفقد الأمل في التغيير نحو الأفضل في المستقبل القريب، وهو ما يجعل الرواية تتماس مع ثورة 25 يناير، رغم عدم تناولها لها، لأن المجتمع الذي يعيش طمأنينة وسلاما تظهر له بين حين وآخر أياد شيطانية، مثل اللصين اللذين حاولا سرقة السراي، فيقتلان صاحبها، فاعل الخير، الذي يكاد يكون شخصية خيالية رغم أنه من ضباط ثورة 1952، وتتجه أصابع الاتهام إلى شخص آخر.
وتتناول رواية (حديقة خلفية) صورة المشهد الأخير في حياة أحد شخصيات ثورة يوليو 1952، وقد كتبت قبل 3 سنوات، وتأجل نشرها لأسباب عدة، وجدت أخيرا طريقها للنور في مناخ الحرية، الذي يجعل من قراءتها مراجعة لتاريخ علاقة مصر والعرب في عقود ما بعد الثورة، وقد قسمت إلى أربعة فصول؛ (خريف الغياب)، و(شتاء العشق)، و(ربيع السفر)، وصيف العودة)، بعد مقدمة مكانية عنوانها (جنة بلا ناس). وقد أشار العشري إلى الصبغة الهندية للرواية التي لم تقف عند الغلاف المأخوذ من (الكاماسوترا) الهندية وحسب، بل قدم ـ بشكل مواز للأحداث ـ عوالم النباتات، وفضاءات السفر، وأعماق الثقافة الهندية التي تجسدها البطلة الرئيسية للأحداث، التي وصفها العشري بالمثالية. في البداية يغيب عن الأحداث الروائية السيد كمال؛ الشخصية المحورية في (حديقة خلفية)، وحين يعود في ليلة عيد الثورة يغيب مقتولا عن المشهد، ورغم النهاية المفتوحة يكاد القاريء يضع يديه على الفاعلين.
أما الناقد محمود قاسم فقد رأى في روايتي (31) و(حديقة خلفية) اللتين قرأهما أكثر من مرة، نقاط تقارب أولها وجود أشخاص من دم ولحم في نسيج العملين، يقدمون أحيانا خلال السرد بأسمائهم الحقيقية، كما أن هناك تماسا بين المؤلف والروايتين، فضلا عن كونهما تستمدان منه كما معرفيا كبيرا يعود إلى خبرات الحياة وثقافة السفر ومخزون القراءة، ليقول ها أنذا، ورغم أن المعرفة عادة ما تجمد النص الأدبي، إلا أن أشرف أبو اليزيد يقدم هذه المعرفة بما يتناسب مع شخصياته، ليزيد من ثراء النص.
وقال محمود قاسم إنه سيحزن كثيرًا لو لم تفز رواية (31) بجائزة مرموقة، تليق بها، العام القادم أو الذي يليه، فهي تأتي استكمالا لتيار في الرواية الغربية حدده في علمين هما الأفضل في صياغة عالم واقعي أكثر قربا من العبث، وهما التشيكي فرانز كافكا (1883 - 1924) والإيطالي دينو بوتزاتي (1906- 1972)، وهو العبث الذي لم يكتبه ألبير كامي (1913 - 1960) أو جان بول سارتر (1905 ـ 1980)، بل كتبه من هما أفضل؛ كافكا وبوتزاتي.
وتدور رواية (31) عن عالم التنصت، أما أبطالها فلا يحملون أسماء، بل جعل لهم المؤلف، وبذكاء شديد، أرقامًا مبررة، والمؤلف الذي يتقمص دور الإله زيوس فيقودُ العالم، ويقرأ الرَّغبات ليسيطر عليها، ويوزِّعُ اللعنات على من عاداه، ويبدّل مصائر الدنيا من خلال مراقبته لقاطنيها، يجد نفسه ـ أيضا ـ مراقبا ويطلب منه صديقه أن يتواضع، (على زيوس أن يتواضع قليلا). وتبدأ الرواية بالفصل الحادي والثلاثين، ويبدأ العد التنازلي وصولا إلى فصلها الأخير، رقم 1، وهي بمثابة سرد مواز للأيام الباقية في حياة بطلها الذي يعمل بدولة خليجية.
وأفرد قاسم جانبا من حديثه للنقد الذي تقدمه الرواية لبيئة العمل في الخليج، على المستوى الاجتماعي أكثر من المستوى السياسي، فضلا عن رصد تحويل البشر إلى سلع، وهي العلاقات التراتبية بين المواطن والوافد، على مدار الفصول كلها. وأضاف قاسم إنه رغم البيئة العربية التي تحتضن أحداث الرواية إلا أنها رواية غربية، تحتوي على كم من التفاصيل في عالم لحظاته عبثية تفيض باللاجدوى ويعيشها البطل في الفترة المحددة له قبيل مغادرته، رغم ما أسبغه عليها الكاتب من روح الإثارة والمغامرة، وهذه التفاصيل هي التي تمثل عبقرية النص. وقال قاسم إنه لم يخن السينما مع الأدب، ولا الأدب مع السينما، بل مارسهما بحب، ودعا إلى تزاوج حقيقي بينهما، وقد رأى زواجًا في (31) بين الأدب والسينما، فالرواية بها رؤية الحس السينمائي فيه، وكتب النص مثل سيناريو سينمائي يمكن أن يصبح فيلما، وضمن النصوص الأكثر مبيعا.
وكانت الندوة قد شهدت تعقيبات وأسئلة من الفنان أشرف سعيد مخرج الكتابين، وناشرهما وليد طه، والناقد مصطفى عبد الله، والتشكيلي محمد طراوي، والكاتب خليل حنا تادرس. وبعد أن وجه أشرف أبو اليزيد شكره إلى صناع الكتاب، خص الشكر الأكبر لقارئته الأولى زوجته المخرجة التلفزيونية فاطمة الزهراء محمد لفضل قراءتها النقدية الموازية للكتابة. كما عقب المؤلف على النقاشات والمداخلات، واعترف بتأثر أجواء روايتيه بالسفر، فحديقة خلفية فيها أصداء رحلاته للهند، ورواية (31) صدى لعمله بالحقل الثقافي بدول الخليج العربية، وبالتحديد سلطنة عُمان ودولة الكويت. كما أن الانفتاح على الثقافات الأخرى، وخصوصا الآسيوية، هو الباعث على كثير من جهده في أدب الرحلة والكتابة الروائية والترجمة الأدبية، وكذلك في الإعلام حيث يقدم في برنامجه (الآخر) أعلام تلك الثقافات الشرقية، وهي ـ كما قال ـ ليست غريبة عنا رغم اختلافات أديانها الأرضية عن دياناتنا السماوية. وقال أبو اليزيد إن الحديث عن الأرقام ليس بعيدا عن أي منا بعد أن أصبحت حياتنا دفترا من الأرقام، فنحن الأرقام، والأرقام هي نحن، كما أن حكايات الروايتين هي حكاياتنا جميعا، في صفحة ما سنجدها، أو لدى شخصية ما، وأن التغيير الذي طال الشخصية المصرية بعد ستة عقود من العمل خارج بلدها تبني بيوتا لا تسكنها وتشيد عوالم لا تملكها لم يضف لها الكثير، في مقابل ما فقدته من حياة في وطنها. كما اختتمت الندوة بتوقيع المؤلف على نسخ مهداة من الروايتين للحضور.


ليست هناك تعليقات: